الوعد
الفصل 490: الوعد
وضعت أليس يديها على وجهها وانهارت على المقعد الذي كانت تجلس على حافته. “لا. لم يفعلوا! لا يمكن أن تكون جادًة.”
تيسيا إيراليث
تمكن الأقزام أخيرًا من النظر إلى ما وراء ويندسوم إلى بقيتنا، وتعرفوا على آرثر على الفور. “الوصي ليوين! أنت حي…” التفت القزم المسؤول إلى أحد رجاله. “اذهب إلى لودنهولد على الفور. أبلغ اللوردات إيرثبورن وسيلفرشيل أن-”
“إنه لأمر غريب للغاية أن أكون دائمًا مركز الاهتمام،” قالت أليس وهي تعيد ملء أكوابنا بالماء البارد من إبريق. “نحن مجرد هؤلاء الأشخاص العاديين جدًا، محاطون بعواهل حقيقيين – أو على الأقل بما كنا نظن دائمًا أنهم عواهل – لكنهم جميعًا مهتمون بنا كثيرًا.” حدقت في الإبريق، وعيناها تلمعان. “أشعر وكأنني انزلقت وسقطت في حياة شخص آخر.”
“لقد تخليت عنا!” صرخت إحدى النساء. “لقد مات ابني. لقد قتله الألاكريون عندما هاجموا، وأين كنت!” حاول أحدهم الإمساك بها، لكنها دفعته بعيدًا. “وصينا؟ حامينا؟ انظروا إليه!” كان هذا الجزء الأخير موجهًا إلى الحشد المتجمع. “إنه ليس أفضل من التنانين أو الألاكريون!”
دورتُ خصلة من شعري حول أطراف أصابعي بينما أفكر في التنانين التي تحدثنا معها. “أعتقد أنني كنت دائمًا مركز الاهتمام في إلينور، لكنهم يبدو أنهم مهتمون بحقيقة أنني إلف أكثر من كونني أميرة. الأشياء التي يسألون عنها…”
جعلني حفيف الستار أدير رأسي. كنت أتوقع، أو ربما كنت آمل فقط، أن أرى آرثر هناك، لكنني لم أشعر بخيبة الأمل عندما دخلت سيلفي الغرفة وأسقطت الستارة خلفها مرة أخرى. نظرت إليّ بفهم شديد لدرجة أن ضغط الدموع المفاجئة تضخم خلف عيني وكأنها من العدم.
ضحكتُ، وضحكت إيلي وأليس بجانبي.
لقد سمعت بالفعل حقيقة ما حدث لألدير، الأزوراس الذي أحرق منزلي. لم تجلب لي هذه المعلومات أي سلام، لكنني لم أستطع منع شرارة الحنين إلى الوطن و… الأمل… الذي جلبته لي أشجار إلشاير.
“نعم، إنهم غريبون نوعًا ما،” قالت إيلي بابتسامة مسلية. “أصرت فتاة صغيرة على أنني لا أستطيع أن أكون أدنى، لأنه قيل لها أن الأدنى بالكاد يستطيعون التحدث أو الوقوف بإستقامة!”
انزلقت يدٌ في يدي، ونظرتُ إلى إيلي، التي ابتسمت. “لقد أنت تضعين تلك النظرة على وجهك مرة أخرى.”
“حسنًا، الأمور هنا ستصبح أكثر غرابة كثيرًا.”
لكن الأكثر إثارة للدهشة على الإطلاق هو الشجرة الكبيرة التي ملأت وسط الكهف. تعرفتُ على أوراقها العريضة وبراعمها الوردية على الفور. “هذه الشجرة من غابة إلشاير…”
استدرنا جميعًا نحو الباب، حيث دفع آرثر الستارة للتو. بدأت أبتسم، لكن التعبير تلعثم بينما أستوعب كلماته والتعبير المؤلم على وجهه.
“لا مشكلة، ويندسوم.” كانت نظرة آرثر ثاقبة، ونبرته باردة. “إنه تغيير كبير بالنسبة لك لتعتاد عليه، أعلم. لكنني متأكد من أنك ستعتاد عليه.”
وضعت أليس يديها على وجهها وانهارت على المقعد الذي كانت تجلس على حافته. “لا. لم يفعلوا! لا يمكن أن تكون جادًة.”
“لقد سُميت رسميًا كأزوراس،” قال آرثر. كان يتحدث في الغالب إلى والدته، لكن مرتين تحركت عيناه نحوي بسرعة كبيرة لدرجة أنني بالكاد لاحظت. “أنا الأول من عرق جديد. أركون.”
راحت يد أليس ترتجف. أخذتُ الإبريق منها بسرعة ووضعته على الطاولة الجانبية ذات السطح المبلط قبل أن ينسكب.
“انتظر قليلًا،” قال آرثر وهو يرفع يده. “لدي عمل يجب أن أهتم به، ثم سأذهب إلى المجلس بنفسي.”
“أنت… من الأفضل أن تجلسي،” قال آرثر وهو يفرك مؤخرة عنقه بتلك الطريقة المضحكة التي كان يفعلها منذ أن كان طفلًا.
“لقد سُميت رسميًا كأزوراس،” قال آرثر. كان يتحدث في الغالب إلى والدته، لكن مرتين تحركت عيناه نحوي بسرعة كبيرة لدرجة أنني بالكاد لاحظت. “أنا الأول من عرق جديد. أركون.”
كلماته وسلوكه لا يمكن أن تعني إلا شيئًا واحدًا، كما بدا أن إيلي وأليس قد خمنتا بالفعل: وافق الأزوراس على اقتراح اللورد إكلياه.
جثم جدي على ركبتيه، ممسكًا بي كما كان يفعل عندما كنت طفلة. أصدر أصواتًا مهدئة ومسح على شعري. لم يكن لدي أي طاقة لأشعر بالخجل أو بالذنب لهذا العرض أمام آرثر وعائلته.
وجدت نفسي أتمنى لو أن آرثر لم يقضِ الكثير من الأسابيع القليلة الماضية بعيدًا. بالتأكيد سينشغل بمهام أخرى، ومن المحتمل أن يكون هناك القليل من الوقت لمعالجة كل شيء بيننا إذ يحتاج إلى التوضيح. ومع ذلك، قلت لنفسي، ربما كان ذلك الأفضل. ربما ما نحتاجه حقًا هو الوقت.
تغير الهواء عندما خرجتُ من البوابة إلى الظلام. بدا الظهور فجأة في باطن الأرض البارد الرطب أشبه بالاستيقاظ بعد أجواء إيفربورن المثالية تقريبًا. وكأن ديكاثين كانت أكثر واقعية بطريقة ما.
مجبورةً على أن أبدو هادئة، جلستُ بجانب إيلي التي قد ضمت ساقيها إلى صدرها.
“شكرًا،” قلتُ في النهاية.
“لقد سُميت رسميًا كأزوراس،” قال آرثر. كان يتحدث في الغالب إلى والدته، لكن مرتين تحركت عيناه نحوي بسرعة كبيرة لدرجة أنني بالكاد لاحظت. “أنا الأول من عرق جديد. أركون.”
انفتحت أمامنا واحة رائعة وسط كل هذه الحجارة. أضيء الكهف بشكل ساطع بأضواء صغيرة تطفو وترقص فوق الطحالب الخضراء المورقة والكروم الزمردية التي نمت لإخفاء الجدران.
شعرت بعيني تتجمدان، وأفكاري تنفصل عن وجودي الجسدي وأنا أكافح لفهم ما يعنيه هذا. لقد تغير الكثير منذ جلسنا فوق الجدار ووعدنا بعضنا البعض. وعد بالبقاء على قيد الحياة. أن يكون لدينا مستقبل معًا. علاقة. عائلة. لقد كانت لحظة جميلة. كانت خطة جميلة. لكن الجد فيريون علمني في وقت مبكر…
“أنا آسف، أتمنى لو كان بإمكاني البقاء، ولكن هناك العديد من الأشخاص الآخرين الذين أحتاج حقًا إلى التحدث إليهم، ولست متأكدًا من المدة التي سأبقى فيها في فيلدوريال،” أنهى حديثه. “سنمنحكما بعض الوقت… فقط لتكونا في صحبة بعضكما البعض.”
لا خطة تصمد بعد مواجهة الخصم.
“أعلم يا أمي،” أجاب آرثر. تغير صوته؛ لابد أنه انتقل عبر الغرفة. “أعلم ما أطلب منكِ فعله، وأعلم مدى خطورة هذا علينا جميعًا، لكن…”
هل من العدل الآن، بعد كل ما حدث، أن نُلزم آرثر بوعد جميل قُطِع بسذاجة في وسط حرب لم يكن لأي منا السيطرة على نتيجتها؟
انحنيت ومررت أصابعي عبر التربة. كانت أغنى تربة رأيتها على الإطلاق، مليئة بمانا سمات الأرض. “هناك أثر من أفيتوس في هذا.”
عم الصمت الغرفة. أجبرت نفسي على التركيز. جلست إيلي بجانبي، مذهولة. بإمكاني رؤية تروس عقلها تعمل، وكان فمها يتحرك بصمت، لكنها بدت في حيرة من أمرها. من ناحية أخرى، كانت أليس تنظر إلى آرثر وكأنه أخبرها للتو أن تصارع أسدًا عالميًا بيديها العاريتين. لقد شاركتهما مشاعرهما، لكنني لم أستطع ترك هذه المشاعر تفلت مني.
تغير الهواء عندما خرجتُ من البوابة إلى الظلام. بدا الظهور فجأة في باطن الأرض البارد الرطب أشبه بالاستيقاظ بعد أجواء إيفربورن المثالية تقريبًا. وكأن ديكاثين كانت أكثر واقعية بطريقة ما.
“ماذا يحدث الآن؟” سألتُ لكسر الصمت. “ما الذي سيتغير بالضبط، وكيف سيؤثر هذا على ديكاثين وألاكريا؟”
أعطيتها ابتسامة محرجة. خلال الأسبوعين الماضيين، بدأت إيلي تنبهني كلما ظهرت على وجهي ‘نظرة القلق’. “أنا آسفة، فقط…”
تردد آرثر، متبادلًا نظرة مع سيلفي. “على الرغم من أن عرقًا جديدًا قد اخترع لأجلي، فإنني في الحقيقة سأكون ممثلًا لعالمنا بين الأزوراس. في النهاية، أعتقد أن ذلك ضروري لضمان حماية ديكاتين وألاكريا.” انخفض رأسه قليلًا. “بهذا السلطة، يمكنني التأكد من أن ما حدث في إلينور لن يحدث مرة أخرى.”
عانقتني سيلفي وإيلي وأليس بالتتابع وأكدن لي أنهن سيعدن لمساعدتي على الاستقرار. ثم أرسل آرثر الجميع إلى الأمام، موضحًا أنه سيلحق بهن، قبل أن يقودني للوقوف بجانب الحديقة الصغيرة المليئة بالشتلات.
أومأتُ، واستمرت المحادثة، حيث بدأت إيلي وأليس بطرح بعض الأسئلة من جانبهما. رغم كل محاولاتي، كلما طالت المحادثة، كلما بدأت أشعر بالإرهاق. خشيت أن يفلت مني التحكم وأن أنحرف بالمحادثة، لذا انتظرت لحظة هدوء واعتذرت، ثم عدت إلى غرفتي واستلقيت على السرير. أغلقت عيني، وتنهدت بعمق، واستعدت ذكرياتي عن الدروس التي تعلمتها.
***
لا أستطيع التحكم في العالم من حولي، لكن يمكنني التحكم في نفسي وفي الطريقة التي أتحرك بها داخلها. ذلك درس حاول والدي غرسه في ذهني عندما كنت طفلة صغيرة، لكني لا أعتقد أنني أدركت معناه حقًا حتى فقدت ذلك التحكم.
“حسنًا، آرثر، إذا لم يكن هناك شيء آخر، أخشى أنني مشغول جدًا بحيث لا يمكنني نقلك من مكان إلى آخر—”
خارج الغرفة، واصل آرثر الحديث، رغم أنني أقسم أنني شعرت بنظراته تتوقف على الستارة التي تفصل بيننا. “لقد ‘دُعينا’ – أعتقد أنه توقع أكثر منه دعوة، بصراحة – لزيارة بعض اللوردات الآخرين في منازلهم.”
“حسنًا، الأمور هنا ستصبح أكثر غرابة كثيرًا.”
“أوه، هذا…” بدأت أليس لكنها توقفت، وقد خفت صوتها.
«عرش الحالم»، رواية شبيهة بأجواء لورد الغوامض، تتكلم عن رجل يجد نفسه في جسدِ شاب لا يمكنه الحراك(مقعد)، ويده اليسري مقطوعة، وهو بلا حولٍ ولا قوة أمام الوحوش المرعبة من عالم الأحلام والكوابيس، والعصابات التي لا تلقي بالًا لحياة من هم أدنى منهم.
“أعلم يا أمي،” أجاب آرثر. تغير صوته؛ لابد أنه انتقل عبر الغرفة. “أعلم ما أطلب منكِ فعله، وأعلم مدى خطورة هذا علينا جميعًا، لكن…”
ضغطت يديها على يدي. “بالطبع. أخبرهم آرثر أنهم سيضطرون إلى الانتظار.” نظرت إليّ بتفهم مفاجئ ثم بابتسامة متعاطفة. “سنأخذك إلى المنزل أولًا، تيسيا.”
أخذت نفسًا عميقًا، وأجبرت نفسي على البقاء هادئة.
ظهرت العديد من الشتلات في صفوف أنيقة. كان من بين الشتلات حيث شعرت لأول مرة بتوقيع جدي، وارتجف رأسي إلى الشجرة بمجرد خروجه من المنزل الصغير الذي نمت فيه أغصانها.
كانت فكرة جرّي إلى مدينة أخرى من مدن الآسوران تجعل أحشائي تتقلص مثل قبضة يد ملطخة بالدماء. لقد اشتقت إلى عائلتي. لقد اشتقت إلى منزلي. كنت مستعدة للعودة إلى ديكاثين. أعلم أن إلينور قد رحلت – لقد رحلت أمي وأبي – لكنني أردت رؤية جدي. أردت أن أكون مع الإلف، وأن أعانقهم وأبكي معهم، وأن أحزن على خسائرنا المشتركة بطريقة لم أتمكن من القيام بها بعد. ليس بينما كنت محبوسة تحت إرادة سيسيليا.
لقد سمعت بالفعل حقيقة ما حدث لألدير، الأزوراس الذي أحرق منزلي. لم تجلب لي هذه المعلومات أي سلام، لكنني لم أستطع منع شرارة الحنين إلى الوطن و… الأمل… الذي جلبته لي أشجار إلشاير.
جعلني حفيف الستار أدير رأسي. كنت أتوقع، أو ربما كنت آمل فقط، أن أرى آرثر هناك، لكنني لم أشعر بخيبة الأمل عندما دخلت سيلفي الغرفة وأسقطت الستارة خلفها مرة أخرى. نظرت إليّ بفهم شديد لدرجة أن ضغط الدموع المفاجئة تضخم خلف عيني وكأنها من العدم.
نظر الأقزام إلى بعضهم البعض بتوتر، لكن لم يتحرك أي منهم.
جلست، وسحبت ساقيَّ إلى حافة السرير، ومسحت الرطوبة من عيني. جلست سيلفي بجانبي. بدلًا من الكلام، وضعت رأسها على كتفي.
“حسنًا، الأمور هنا ستصبح أكثر غرابة كثيرًا.”
جلسنا هناك هكذا، نحن الاثنان فقط، لفترة طويلة. في حضورها، شعرت بنفسي أستقر مرة أخرى. كانت لديها طريقة لنقلي من اللحظة وإعادتي بالزمن إلى أيام أبسط. كان من الغريب جدًا أن الوحش الصغير الذي يشبه الثعلب والذي اعتاد أن يركب على رأس آرثر قد نما إلى هذه الشابة القوية المتعاطفة. يمكنني أن أتذكر بوضوح عندما فقست لأول مرة في زيستير…
اندفع الخوف الذي كنت أعاني منه بهدوء إلى الأمام.
انغمست في اللحظة، مستمتعة بالسلام والهدوء. بدلًا من القلق بشأن المستقبل، استمعت إلى حفيف ملابسنا على ملاءات السرير مع كل حركة صغيرة. شاهدتُ انكسار ضوء الشمس عبر النافذة ليتألق على الجدران. استمعت إلى أنفاسنا بينما كنا نتناغم مع بعضنا البعض، وشعرت بدغدغة توقيع مانا سيلفي بجانبي، يتحرك بنفس التشنج الدقيق مثل العيون تحت الجفون المغلقة.
ترجمة الخال
ببطء، تلاشى التوتر كله.
«عرش الحالم»، رواية شبيهة بأجواء لورد الغوامض، تتكلم عن رجل يجد نفسه في جسدِ شاب لا يمكنه الحراك(مقعد)، ويده اليسري مقطوعة، وهو بلا حولٍ ولا قوة أمام الوحوش المرعبة من عالم الأحلام والكوابيس، والعصابات التي لا تلقي بالًا لحياة من هم أدنى منهم.
“شكرًا،” قلتُ في النهاية.
بدأت عيني تتكيف، ووجدت نفسي واقفة في وسط نفق واسع غير واضح. كان آرثر هناك بالفعل، بعد أن وصل عبر البوابة أولًا.
مدت يدها وأمسكت بيدي، وأخذتها بكلتا يديها.
كان الطريق السريع يؤدي مباشرة إلى قصر الأقزام، لكن آرثر لم يأخذنا لرؤية أمراء الأقزام. بدلًا من ذلك، قادنا إلى سلسلة من الأنفاق الأصغر حجمًا وفي النهاية إلى درج متعرج طويل جدًا. مررنا عبر كهف صغير إلى…
“أردت.. أن أخبرك،” بدأتُ، فجأة محرجة. كنت أعرف ما أريد قوله، لكن الكلمات نفسها بدت من الصعب التمسك بها. “حظًا سعيدًا. كما تعلمين، عندما تذهبين لزيارة الأزرواس الأخرين. هل ستحميه؟ لا يهم، أعلم أنك ستفعلي. أنا آسفة إذ سأفتقده، لكن… أحتاج إلى العودة إلى المنزل.”
لم يهتم آرثر بالصراخ، لكنه توقف الآن واستدار. وبينما بدأت الضربات الجسدية تتطاير، دخل في المعمعة، وفصل الأقزام بحضوره وحده. انتهى الشجار فجأة كما بدأ. ترددت مجموعة من الحراس القريبين، الذين بدأوا في اتجاهنا، ونظروا إلى بعضهم البعض بتوتر.
ضغطت يديها على يدي. “بالطبع. أخبرهم آرثر أنهم سيضطرون إلى الانتظار.” نظرت إليّ بتفهم مفاجئ ثم بابتسامة متعاطفة. “سنأخذك إلى المنزل أولًا، تيسيا.”
لم أنطق أفكاري بصوت عالٍ لآرثر، لكنني شعرت بنشوة لرؤيته يضع ويندسوم في مكانه. جزء مني تمنى أن يكون آرثر أكثر قسوة.
***
شاهد الأقزام آرثر وهم يحدقون بعيون واسعة ومتعرقة. بل إن البعض منهم مد يده، تلامس أصابعهم ذراعه أو ظهر يده. ظلوا واقفين هناك ونحن نتحرك بعيدًا، والجميع واقفون على الطريق وكأنهم غير متأكدين مما يجب فعله الآن.
تغير الهواء عندما خرجتُ من البوابة إلى الظلام. بدا الظهور فجأة في باطن الأرض البارد الرطب أشبه بالاستيقاظ بعد أجواء إيفربورن المثالية تقريبًا. وكأن ديكاثين كانت أكثر واقعية بطريقة ما.
“لقد امتلكك هذا الفتى منذ أسبوعين بالفعل، أنا…” قال، ونظر في عيني ثم توقف. كان وجهه خليطًا غير مفهوم من المشاعر المتضاربة المصهورة في تعبير واحد، لكن الفرح والثقة كانا يلمعان أكثر من أي شيء آخر. بابتسامة متفهمة، ساعدني على الوقوف وتراجع بضع خطوات إلى الوراء.
بدأت عيني تتكيف، ووجدت نفسي واقفة في وسط نفق واسع غير واضح. كان آرثر هناك بالفعل، بعد أن وصل عبر البوابة أولًا.
“لقد سُميت رسميًا كأزوراس،” قال آرثر. كان يتحدث في الغالب إلى والدته، لكن مرتين تحركت عيناه نحوي بسرعة كبيرة لدرجة أنني بالكاد لاحظت. “أنا الأول من عرق جديد. أركون.”
خلفى ظهرت إيلي وبو، تلاهما أليس، ثم سيلفي.
مجبورةً على أن أبدو هادئة، جلستُ بجانب إيلي التي قد ضمت ساقيها إلى صدرها.
استقبل ظهورنا صرخة، ونظرنا جميعًا لنرى العديد من الحراس الأقزام المدججين بالسلاح وهم يسارعون نحونا. خلفهم كان هناك جدار مصنوع بشكل غير متقن مع بوابة صغيرة.
ببطء، تلاشى التوتر كله.
قبل أن يتمكنوا من الوصول إلينا، جاء شخص آخر عبر البوابة. مرتديًا نفس الزي العسكري الفاخر الذي كنت أراه دائمًا به، وعيناه الأخرويتان غير قابلتين للقراءة، جذب ويندسوم الأقزامَ بنظرة سريعة.
دورتُ خصلة من شعري حول أطراف أصابعي بينما أفكر في التنانين التي تحدثنا معها. “أعتقد أنني كنت دائمًا مركز الاهتمام في إلينور، لكنهم يبدو أنهم مهتمون بحقيقة أنني إلف أكثر من كونني أميرة. الأشياء التي يسألون عنها…”
عندما رأيت ويندسوم لأول مرة، عدت إلى المعركة بين سيسيليا ونيكو وهو. ساعد هذا التنين الجنرال ألدير في حرق إلينور حتى تحولت إلى رماد. كنت في حالة غيبوبة في ذلك الوقت، لكن ذكريات سيسيليا عن القتال كانت واضحة بما فيه الكفاية. بدا الأمر غير عادل بشكل واضح أن هذا التنين لا يزال يخدم سيده بسعادة، وقادرًا على التنقل بين عالمنا وعالمه في أي لحظة، بينما طُرد بقايا شعبي المحطمة وباتوا بلا مأوى ولا مكان يذهبون إليه.
“آرثر، هل هذا أنت؟ أنا…” توقف صوته وهو ينظر إلى أسفل من شرفة المنزل الصغير على الشجرة.
قال ويندسوم بطريقته المختصرة: “دارف، كما طلبت. مدينة فيلدوريال تقع خلف تلك البوابة.” وأشار إلى الحراس. “فيريون إيراليث وموكب من الأقزام هنا، على الرغم من أن الجزء الأكبر من اللاجئين نقلوا قبل هجوم أغرونا الأخير.”
“ماذا يحدث الآن؟” سألتُ لكسر الصمت. “ما الذي سيتغير بالضبط، وكيف سيؤثر هذا على ديكاثين وألاكريا؟”
تمكن الأقزام أخيرًا من النظر إلى ما وراء ويندسوم إلى بقيتنا، وتعرفوا على آرثر على الفور. “الوصي ليوين! أنت حي…” التفت القزم المسؤول إلى أحد رجاله. “اذهب إلى لودنهولد على الفور. أبلغ اللوردات إيرثبورن وسيلفرشيل أن-”
لم تكن فيلدوريال مختلفة عن خلية نحل مقلوبة رأسًا على عقب. كانت المساكن من جميع الأشكال والأحجام محفورة في الجدران الخارجية، بينما دار طريق سريع متعرج حول نفسه وينزل، ويربط بين المستويات المختلفة. كان سكانه، ومعظمهم من الأقزام، يتحركون بنشاط، بعضهم يرتدي حقائب كبيرة، والبعض الآخر يسحب عربات أو يقود وحوش مانا للقيام بذلك نيابة عنهم.
“انتظر قليلًا،” قال آرثر وهو يرفع يده. “لدي عمل يجب أن أهتم به، ثم سأذهب إلى المجلس بنفسي.”
“كفى من الغرباء!” صرخت المرأة الأولى. “دارف للأقزام! اشنقوهم جميعًا من-”
نظر الأقزام إلى بعضهم البعض بتوتر، لكن لم يتحرك أي منهم.
بدأت أشعر بنفسي أتحطم، فركضت لمقابلته. اصطدمنا، وألقى جدي ذراعيه حولي. انهرت بينهما، واندلع نحيب يائس من جسدي. كل التوتر والقلق والارتباك والرعب الوجودي الذي شعرت به خلال الأسبوعين الماضيين انفجر مني كما لو كنت قد ألقيت تعويذة من عنصر الماء من عيني.
“حسنًا، آرثر، إذا لم يكن هناك شيء آخر، أخشى أنني مشغول جدًا بحيث لا يمكنني نقلك من مكان إلى آخر—”
كانت فكرة جرّي إلى مدينة أخرى من مدن الآسوران تجعل أحشائي تتقلص مثل قبضة يد ملطخة بالدماء. لقد اشتقت إلى عائلتي. لقد اشتقت إلى منزلي. كنت مستعدة للعودة إلى ديكاثين. أعلم أن إلينور قد رحلت – لقد رحلت أمي وأبي – لكنني أردت رؤية جدي. أردت أن أكون مع الإلف، وأن أعانقهم وأبكي معهم، وأن أحزن على خسائرنا المشتركة بطريقة لم أتمكن من القيام بها بعد. ليس بينما كنت محبوسة تحت إرادة سيسيليا.
“اللورد ليوين،” قال آرثر، قاطعًا ويندسوم.
“واو،” قلت، ملتفة حولي لأتأمل الكهف بأكمله.
رغم غضبي تجاه ويندسوم، لم أستطع إلا أن أرتجف من مواجهة نواياهم المتعارضة. لم أكن وحدي، حيث تراجعت أليس وإيلي غريزيًا داخل حدود النفق الخافت، وتحرك بو لحمايتهما من الصراع.
لكن الأكثر إثارة للدهشة على الإطلاق هو الشجرة الكبيرة التي ملأت وسط الكهف. تعرفتُ على أوراقها العريضة وبراعمها الوردية على الفور. “هذه الشجرة من غابة إلشاير…”
“بالطبع… اللورد ليوين. أعتذر.” انحنى ويندسوم، مخفيًا تعبيره عن الأنظار.
بدأت أشعر بنفسي أتحطم، فركضت لمقابلته. اصطدمنا، وألقى جدي ذراعيه حولي. انهرت بينهما، واندلع نحيب يائس من جسدي. كل التوتر والقلق والارتباك والرعب الوجودي الذي شعرت به خلال الأسبوعين الماضيين انفجر مني كما لو كنت قد ألقيت تعويذة من عنصر الماء من عيني.
“لا مشكلة، ويندسوم.” كانت نظرة آرثر ثاقبة، ونبرته باردة. “إنه تغيير كبير بالنسبة لك لتعتاد عليه، أعلم. لكنني متأكد من أنك ستعتاد عليه.”
بدأت عيني تتكيف، ووجدت نفسي واقفة في وسط نفق واسع غير واضح. كان آرثر هناك بالفعل، بعد أن وصل عبر البوابة أولًا.
“بالطبع.” تظاهر الأزوراس بموقف الخنوع، لكنني استطعت أن أرى انزعاجه يغلي تحت جلده. “سأعود في غضون يومين لفتح الطريق للعودة إلى أفيتوس.”
استدرنا جميعًا نحو الباب، حيث دفع آرثر الستارة للتو. بدأت أبتسم، لكن التعبير تلعثم بينما أستوعب كلماته والتعبير المؤلم على وجهه.
قال آرثر وهو يدير ظهره لويندسوم، “يمكنك الانصراف الآن.”
أومأتُ، واستمرت المحادثة، حيث بدأت إيلي وأليس بطرح بعض الأسئلة من جانبهما. رغم كل محاولاتي، كلما طالت المحادثة، كلما بدأت أشعر بالإرهاق. خشيت أن يفلت مني التحكم وأن أنحرف بالمحادثة، لذا انتظرت لحظة هدوء واعتذرت، ثم عدت إلى غرفتي واستلقيت على السرير. أغلقت عيني، وتنهدت بعمق، واستعدت ذكرياتي عن الدروس التي تعلمتها.
انحنى الحراس الأقزام، الذين كانوا يراقبون التبادل وكأنهم تماثيل بعيون واسعة، بعمق قبل أن يتجه ويندسوم نحو البوابة.
قلتُ ممازحة، وأنا أسحب سيلفي أقرب حتى تتلاصق كتفانا، “يا للهول، شكرًا لك.” وضحكنا جميعًا معًا.
رأيت إيلي وأليس يتبادلان نظرة، لكن لم يتحرك أي منهما ليظهر أي احترام له. رفعت ذقني ووقفت بثبات، لكنه لم يلتفت إلينا قبل أن يختفي في البوابة التي ذابت بعدها.
عندما رأيت ويندسوم لأول مرة، عدت إلى المعركة بين سيسيليا ونيكو وهو. ساعد هذا التنين الجنرال ألدير في حرق إلينور حتى تحولت إلى رماد. كنت في حالة غيبوبة في ذلك الوقت، لكن ذكريات سيسيليا عن القتال كانت واضحة بما فيه الكفاية. بدا الأمر غير عادل بشكل واضح أن هذا التنين لا يزال يخدم سيده بسعادة، وقادرًا على التنقل بين عالمنا وعالمه في أي لحظة، بينما طُرد بقايا شعبي المحطمة وباتوا بلا مأوى ولا مكان يذهبون إليه.
لم أنطق أفكاري بصوت عالٍ لآرثر، لكنني شعرت بنشوة لرؤيته يضع ويندسوم في مكانه. جزء مني تمنى أن يكون آرثر أكثر قسوة.
“لا أريد أن أقول الشيء الخطأ أو أطيل الحديث عنه، لذا سأحاول أن أكون صريحة،” قلتُ، والكلمات تتدفق مني. “لقد تغير الكثير، آرثر. كثير جدًا. كل شيء.” فتح فمه ليتحدث، لكنني واصلت الحديث، خيفة من أنني إذا لم أفعل، سأفقد شجاعتي. “لقد قلنا ذلك من قبل: الوعد الذي قطعناه – اللحظة والكلمات التي شاركناها – كان كل شيء جميلًا للغاية. وكان حقيقيًا. و… كان مهمًا. كانت هناك مرات عديدة أردت فيها الاستسلام، والسماح لنفسي بالتلاشي أو التضحية بنفسي لتدمير سيسيليا. في النهاية، كان هذا الوعد بيننا هو الذي أعطاني القوة للبقاء على قيد الحياة عندما كان الموت أسهل كثيرًا. لكن الحقيقة هي أنني لم أعد الشخص الذي وعدته بعد الآن. و… و…”
تحولت الفكرة إلى طعم مر فور أن خطرت ببالي. لست سيسيليا، لأستمتع بهذه الأمور. بينما اقترب آرثر من الحراس وأشار لهم بالوقوف، دفعت تلك الأفكار بعيدًا، مفسحة المجال للأعصاب المتوترة التي شعرت بها عند التفكير في رؤية جدي فيريون.
تغير الهواء عندما خرجتُ من البوابة إلى الظلام. بدا الظهور فجأة في باطن الأرض البارد الرطب أشبه بالاستيقاظ بعد أجواء إيفربورن المثالية تقريبًا. وكأن ديكاثين كانت أكثر واقعية بطريقة ما.
انزلقت يدٌ في يدي، ونظرتُ إلى إيلي، التي ابتسمت. “لقد أنت تضعين تلك النظرة على وجهك مرة أخرى.”
“حسنًا، آرثر، إذا لم يكن هناك شيء آخر، أخشى أنني مشغول جدًا بحيث لا يمكنني نقلك من مكان إلى آخر—”
أعطيتها ابتسامة محرجة. خلال الأسبوعين الماضيين، بدأت إيلي تنبهني كلما ظهرت على وجهي ‘نظرة القلق’. “أنا آسفة، فقط…”
انفتحت أمامنا واحة رائعة وسط كل هذه الحجارة. أضيء الكهف بشكل ساطع بأضواء صغيرة تطفو وترقص فوق الطحالب الخضراء المورقة والكروم الزمردية التي نمت لإخفاء الجدران.
قالت سيلفي من جانبي الآخر قبل أن تمسك يدي الأخرى، لنمشي نحن الثلاثة معًا مثل الأطفال، “من فضلك، لا تعتذري. لقد مررتِ بالكثير، ولم يكن لديكِ سوى أسبوعين للتعافي. قد يستغرق نوع هذا الصدمة سنوات فقط للبدء في فك عقده.”
قال آرثر وهو يدير ظهره لويندسوم، “يمكنك الانصراف الآن.”
قلتُ ممازحة، وأنا أسحب سيلفي أقرب حتى تتلاصق كتفانا، “يا للهول، شكرًا لك.” وضحكنا جميعًا معًا.
قبل أن يتمكنوا من الوصول إلينا، جاء شخص آخر عبر البوابة. مرتديًا نفس الزي العسكري الفاخر الذي كنت أراه دائمًا به، وعيناه الأخرويتان غير قابلتين للقراءة، جذب ويندسوم الأقزامَ بنظرة سريعة.
فتح الحراس البوابة، وتبادل آرثر معهم بضع كلمات هادئة أخرى بينما خطونا جميعًا إلى الكهف الضخم الذي يضم مدينة فيلدوريال.
خلفى ظهرت إيلي وبو، تلاهما أليس، ثم سيلفي.
“واو،” قلت، ملتفة حولي لأتأمل الكهف بأكمله.
رأيت إيلي وأليس يتبادلان نظرة، لكن لم يتحرك أي منهما ليظهر أي احترام له. رفعت ذقني ووقفت بثبات، لكنه لم يلتفت إلينا قبل أن يختفي في البوابة التي ذابت بعدها.
لم تكن فيلدوريال مختلفة عن خلية نحل مقلوبة رأسًا على عقب. كانت المساكن من جميع الأشكال والأحجام محفورة في الجدران الخارجية، بينما دار طريق سريع متعرج حول نفسه وينزل، ويربط بين المستويات المختلفة. كان سكانه، ومعظمهم من الأقزام، يتحركون بنشاط، بعضهم يرتدي حقائب كبيرة، والبعض الآخر يسحب عربات أو يقود وحوش مانا للقيام بذلك نيابة عنهم.
تمكن الأقزام أخيرًا من النظر إلى ما وراء ويندسوم إلى بقيتنا، وتعرفوا على آرثر على الفور. “الوصي ليوين! أنت حي…” التفت القزم المسؤول إلى أحد رجاله. “اذهب إلى لودنهولد على الفور. أبلغ اللوردات إيرثبورن وسيلفرشيل أن-”
بدأ تدفق حركة المرور أمامنا يتباطأ عندما أدرك الناس أن آرثر كان معنا. بدأ بسرعة في قيادتنا على الطريق السريع عندما سمعنا أول صرخة “الرمح آرثر!” عبر الكهف. تجمع الحشد خلفنا، حيث تخلى العديد من الأقزام عما كانوا يفعلونه ليتبعونا ويصرخوا بشكرهم أو رسائل الترحيب. ولكن لم يكن جميعهم سعداء بحضوره.
كانت فكرة جرّي إلى مدينة أخرى من مدن الآسوران تجعل أحشائي تتقلص مثل قبضة يد ملطخة بالدماء. لقد اشتقت إلى عائلتي. لقد اشتقت إلى منزلي. كنت مستعدة للعودة إلى ديكاثين. أعلم أن إلينور قد رحلت – لقد رحلت أمي وأبي – لكنني أردت رؤية جدي. أردت أن أكون مع الإلف، وأن أعانقهم وأبكي معهم، وأن أحزن على خسائرنا المشتركة بطريقة لم أتمكن من القيام بها بعد. ليس بينما كنت محبوسة تحت إرادة سيسيليا.
“لقد تخليت عنا!” صرخت إحدى النساء. “لقد مات ابني. لقد قتله الألاكريون عندما هاجموا، وأين كنت!” حاول أحدهم الإمساك بها، لكنها دفعته بعيدًا. “وصينا؟ حامينا؟ انظروا إليه!” كان هذا الجزء الأخير موجهًا إلى الحشد المتجمع. “إنه ليس أفضل من التنانين أو الألاكريون!”
اندفع الخوف الذي كنت أعاني منه بهدوء إلى الأمام.
صرخ قزم ذو مظهر قاس، “أغلقي فمك.”
اندفع الخوف الذي كنت أعاني منه بهدوء إلى الأمام.
“إنهم يتركونهم جميعًا يذهبون!” صرخ رجل آخر وهو يحدق في آرثر بيأس. “الألاكريون الذين هاجمونا. يتركونهم يذهبون!”
لقد فعلت سيسيليا أشياء فظيعة وهي ترتدي وجهي وجسدي. ربما لم يتعرف علي القزم العادي في الشارع – أو عليها – من خلال النظر، لكنني كنت خائفة من أن يراني جدي، وليس أنا. لم أكن أعتقد أنني أستطيع تحمل رؤية نظرة الرعب على وجهه عند ظهوري.
“كفى من الغرباء!” صرخت المرأة الأولى. “دارف للأقزام! اشنقوهم جميعًا من-”
عندما رأيت ويندسوم لأول مرة، عدت إلى المعركة بين سيسيليا ونيكو وهو. ساعد هذا التنين الجنرال ألدير في حرق إلينور حتى تحولت إلى رماد. كنت في حالة غيبوبة في ذلك الوقت، لكن ذكريات سيسيليا عن القتال كانت واضحة بما فيه الكفاية. بدا الأمر غير عادل بشكل واضح أن هذا التنين لا يزال يخدم سيده بسعادة، وقادرًا على التنقل بين عالمنا وعالمه في أي لحظة، بينما طُرد بقايا شعبي المحطمة وباتوا بلا مأوى ولا مكان يذهبون إليه.
دفع شخص آخر المرأة، وسرعان ما اندلع شجار، مما قاطع الخطاب المحموم. بدأ بو في الزئير، ووقف بين إيلي والمعتدين.
مجبورةً على أن أبدو هادئة، جلستُ بجانب إيلي التي قد ضمت ساقيها إلى صدرها.
لم يهتم آرثر بالصراخ، لكنه توقف الآن واستدار. وبينما بدأت الضربات الجسدية تتطاير، دخل في المعمعة، وفصل الأقزام بحضوره وحده. انتهى الشجار فجأة كما بدأ. ترددت مجموعة من الحراس القريبين، الذين بدأوا في اتجاهنا، ونظروا إلى بعضهم البعض بتوتر.
«عرش الحالم»، رواية شبيهة بأجواء لورد الغوامض، تتكلم عن رجل يجد نفسه في جسدِ شاب لا يمكنه الحراك(مقعد)، ويده اليسري مقطوعة، وهو بلا حولٍ ولا قوة أمام الوحوش المرعبة من عالم الأحلام والكوابيس، والعصابات التي لا تلقي بالًا لحياة من هم أدنى منهم.
“أنا آسف على خسارتكم،” قال آرثر، بصوت خافت بما يكفي لدرجة أن الأقزام من حوله اضطروا إلى بذل جهد للاستماع. “أنا آسف لكل من فقد أحباءه في هذه الحرب، سواء كان ذلك في المعركة الأخيرة أو الأولى منذ سنوات،” وتابع وهو ينظر حوله إلى الجميع. “أعلم أن كل أنواع الشائعات انتشرت في غياب المعلومات الواقعية خلال هذين الأسبوعين الماضيين. لا تقعوا فريسة لأولئك الذين يتغذون على مخاوفكم. أنا في طريقي الآن لشرح كل شيء لقادتكم. سيشاركون الحقيقة قريبًا بما فيه الكفاية.”
ومع ذلك…
شاهد الأقزام آرثر وهم يحدقون بعيون واسعة ومتعرقة. بل إن البعض منهم مد يده، تلامس أصابعهم ذراعه أو ظهر يده. ظلوا واقفين هناك ونحن نتحرك بعيدًا، والجميع واقفون على الطريق وكأنهم غير متأكدين مما يجب فعله الآن.
ببطء، تلاشى التوتر كله.
“حسنًا، هذا متوقع، على ما أعتقد،” قالت إيلي بهدوء، وكأنها تتحدث إلى نفسها. “آمل أن يكون الجميع بخير.”
عانقتني سيلفي وإيلي وأليس بالتتابع وأكدن لي أنهن سيعدن لمساعدتي على الاستقرار. ثم أرسل آرثر الجميع إلى الأمام، موضحًا أنه سيلحق بهن، قبل أن يقودني للوقوف بجانب الحديقة الصغيرة المليئة بالشتلات.
“سنكتشف ذلك قريبًا،” قال آرثر من فوق كتفه.
“ك-كيف عرفت؟” قلتُ وأنا أحاول التنفس وسط النحيب، متوسلة إليه أن يفهم.
كان الطريق السريع يؤدي مباشرة إلى قصر الأقزام، لكن آرثر لم يأخذنا لرؤية أمراء الأقزام. بدلًا من ذلك، قادنا إلى سلسلة من الأنفاق الأصغر حجمًا وفي النهاية إلى درج متعرج طويل جدًا. مررنا عبر كهف صغير إلى…
فتح الحراس البوابة، وتبادل آرثر معهم بضع كلمات هادئة أخرى بينما خطونا جميعًا إلى الكهف الضخم الذي يضم مدينة فيلدوريال.
حسنًا، إلى شيء لم أتوقعه على الإطلاق.
“اللورد ليوين،” قال آرثر، قاطعًا ويندسوم.
كنت أعلم أن آرثر كان يقودنا إلى الجد فيريون، وشعرت وكأننا صعدنا تقريبًا إلى السطح للوصول إلى هذه الغرفة، ولكن حتى حينها، كنت أتوقع أن تكون الصحراء… وليس هذا.
لقد فعلت سيسيليا أشياء فظيعة وهي ترتدي وجهي وجسدي. ربما لم يتعرف علي القزم العادي في الشارع – أو عليها – من خلال النظر، لكنني كنت خائفة من أن يراني جدي، وليس أنا. لم أكن أعتقد أنني أستطيع تحمل رؤية نظرة الرعب على وجهه عند ظهوري.
انفتحت أمامنا واحة رائعة وسط كل هذه الحجارة. أضيء الكهف بشكل ساطع بأضواء صغيرة تطفو وترقص فوق الطحالب الخضراء المورقة والكروم الزمردية التي نمت لإخفاء الجدران.
اندفع الخوف الذي كنت أعاني منه بهدوء إلى الأمام.
لكن الأكثر إثارة للدهشة على الإطلاق هو الشجرة الكبيرة التي ملأت وسط الكهف. تعرفتُ على أوراقها العريضة وبراعمها الوردية على الفور. “هذه الشجرة من غابة إلشاير…”
هززتُ رأسي، وسقط شعري أمام عيني. “أنا أعرف من أنت، آرثر. أعرف ذلك حقًا. ولهذا السبب أعفيك من الوعد الذي قطعناه. شكرًا لك على الوفاء به. سأعتز بهذه اللحظة إلى الأبد، لكنني لن أتشبث بها على حساب مستقبل العالم.”
“وهي التي أعطت هذا المكان اسمه،” قال آرثر بهدوء. “هذا هو بستان إلشاير.”
عانقتني سيلفي وإيلي وأليس بالتتابع وأكدن لي أنهن سيعدن لمساعدتي على الاستقرار. ثم أرسل آرثر الجميع إلى الأمام، موضحًا أنه سيلحق بهن، قبل أن يقودني للوقوف بجانب الحديقة الصغيرة المليئة بالشتلات.
“إنه جميل،” قلتُ وأنا أنظر حولي مرة أخرى. هذه المرة، ركزت انتباهي على رقعة من الأرض حيث أزيلت الطحالب ليحل محلها تربة داكنة طازجة.
بدأ تدفق حركة المرور أمامنا يتباطأ عندما أدرك الناس أن آرثر كان معنا. بدأ بسرعة في قيادتنا على الطريق السريع عندما سمعنا أول صرخة “الرمح آرثر!” عبر الكهف. تجمع الحشد خلفنا، حيث تخلى العديد من الأقزام عما كانوا يفعلونه ليتبعونا ويصرخوا بشكرهم أو رسائل الترحيب. ولكن لم يكن جميعهم سعداء بحضوره.
ظهرت العديد من الشتلات في صفوف أنيقة. كان من بين الشتلات حيث شعرت لأول مرة بتوقيع جدي، وارتجف رأسي إلى الشجرة بمجرد خروجه من المنزل الصغير الذي نمت فيه أغصانها.
نظر الأقزام إلى بعضهم البعض بتوتر، لكن لم يتحرك أي منهم.
“آرثر، هل هذا أنت؟ أنا…” توقف صوته وهو ينظر إلى أسفل من شرفة المنزل الصغير على الشجرة.
وقفت، وأعدت شعري إلى الوراء. رفع آرثر يده فورًا ليمسح دموعي، لكن لم تكن هناك دموع. تردد. أمسكت بيده بكلتا يديّ ووضعتها بيننا بينما انحنيت للأمام وضغطت شفتي على شفتيه. قلبي انكسر من نعومة شفتيه والإيقاع غير المستقر لنبضه، لكن قراري لم يتزعزع. يريد القلب ما يريده القلب، لكن روحي كانت مرتاحة بقراري.
اندفع الخوف الذي كنت أعاني منه بهدوء إلى الأمام.
أخذت نفسًا عميقًا، وأجبرت نفسي على البقاء هادئة.
لقد فعلت سيسيليا أشياء فظيعة وهي ترتدي وجهي وجسدي. ربما لم يتعرف علي القزم العادي في الشارع – أو عليها – من خلال النظر، لكنني كنت خائفة من أن يراني جدي، وليس أنا. لم أكن أعتقد أنني أستطيع تحمل رؤية نظرة الرعب على وجهه عند ظهوري.
“بالطبع.” تظاهر الأزوراس بموقف الخنوع، لكنني استطعت أن أرى انزعاجه يغلي تحت جلده. “سأعود في غضون يومين لفتح الطريق للعودة إلى أفيتوس.”
ومع ذلك…
لقد سمعت بالفعل حقيقة ما حدث لألدير، الأزوراس الذي أحرق منزلي. لم تجلب لي هذه المعلومات أي سلام، لكنني لم أستطع منع شرارة الحنين إلى الوطن و… الأمل… الذي جلبته لي أشجار إلشاير.
بينما ارتخى فكه واتسعت عيناه ولمعتا، بدا أن ضوءًا يشرق من داخله. لم يكن هناك ما يشبه الخوف أو الرعب على وجهه، وفي لحظة، شاهدتُ سنوات من الخوف والمشقة تذوب منه.
ترجمة الخال
قفز فوق درابزين الشرفة، وسقط بخفة على الأرض على بعد أكثر من اثني عشر قدمًا أدناه، وركض نحوي. “تي-تيسيا!” اختنق، وصوته مملوء بالعاطفة.
«حكايات عائد لانهائي» وهي رواية فريدة من نوعها للغاية، لم أرى مثيل لها من قبل، يتحدث بها “حانوتي”، وهو من يكتب حكاياته، ويسردها، عن ماضيه كعائد بالزمن في دوراته ال ١١٨٣ من الفشل والنجاح، من الهزيمة والنصر. عالم لا يكره سوى البشر، وشذوذات وُجدت لتصعيب الحياة على الإنسان. إنها ليست حكاية نجاح، بل حكاية فشل.
بدأت أشعر بنفسي أتحطم، فركضت لمقابلته. اصطدمنا، وألقى جدي ذراعيه حولي. انهرت بينهما، واندلع نحيب يائس من جسدي. كل التوتر والقلق والارتباك والرعب الوجودي الذي شعرت به خلال الأسبوعين الماضيين انفجر مني كما لو كنت قد ألقيت تعويذة من عنصر الماء من عيني.
تحولت الفكرة إلى طعم مر فور أن خطرت ببالي. لست سيسيليا، لأستمتع بهذه الأمور. بينما اقترب آرثر من الحراس وأشار لهم بالوقوف، دفعت تلك الأفكار بعيدًا، مفسحة المجال للأعصاب المتوترة التي شعرت بها عند التفكير في رؤية جدي فيريون.
جثم جدي على ركبتيه، ممسكًا بي كما كان يفعل عندما كنت طفلة. أصدر أصواتًا مهدئة ومسح على شعري. لم يكن لدي أي طاقة لأشعر بالخجل أو بالذنب لهذا العرض أمام آرثر وعائلته.
بدأت أشعر بنفسي أتحطم، فركضت لمقابلته. اصطدمنا، وألقى جدي ذراعيه حولي. انهرت بينهما، واندلع نحيب يائس من جسدي. كل التوتر والقلق والارتباك والرعب الوجودي الذي شعرت به خلال الأسبوعين الماضيين انفجر مني كما لو كنت قد ألقيت تعويذة من عنصر الماء من عيني.
“ك-كيف عرفت؟” قلتُ وأنا أحاول التنفس وسط النحيب، متوسلة إليه أن يفهم.
الفصل 490: الوعد
“أنت حفيدتي،” قال بصوت أجش مريح مثل بطانية مرجحة. “نظرة واحدة إليك تكفي.”
“واو،” قلت، ملتفة حولي لأتأمل الكهف بأكمله.
بينما واصلت البكاء، لم يكن مجرد الأسبوعين الماضيين ما كان يخرج مني. لم أتمكن من حساب المدة الدقيقة التي قضيتها تحت سيطرة سيسيليا، منذ اللحظة التي أسرني فيها إيليا—نيكو—في إلينور إلى الساعات المصيرية الأخيرة بعد أن ساعدت سيسيليا على الهروب من المقابر القديمة والعودة إلى أغرونا. ربما عام، وربما أكثر، لكن الشعور كان وكأنه عمر كامل. حياتان. لقد مت وأعدت ولادة شخص مختلف تمامًا.
اندفع الخوف الذي كنت أعاني منه بهدوء إلى الأمام.
وكل هذا، كل لحظة مؤلمة من مشاركة الحيز العقلي مع الطفلة المشوهة والمكسورة التي كانت سيسيليا، ذكريات كل الأشياء المروعة التي فعلتها بينما كانت في جسدي، كل ذكريات حياة آرثر السابقة التي شاركتها سيسيليا—سواء الحقيقية أو المختلقة—كل شيء غريب مررت به واكتشفته…
رأيت إيلي وأليس يتبادلان نظرة، لكن لم يتحرك أي منهما ليظهر أي احترام له. رفعت ذقني ووقفت بثبات، لكنه لم يلتفت إلينا قبل أن يختفي في البوابة التي ذابت بعدها.
كل شيء تدفق مني.
خارج الغرفة، واصل آرثر الحديث، رغم أنني أقسم أنني شعرت بنظراته تتوقف على الستارة التي تفصل بيننا. “لقد ‘دُعينا’ – أعتقد أنه توقع أكثر منه دعوة، بصراحة – لزيارة بعض اللوردات الآخرين في منازلهم.”
كان آرثر يتحدث. قال شيئًا عن أغرونا والأزوراس. يشرح أين كنا خلال الأسبوعين الماضيين ولماذا لم يعيدني إلى المنزل في وقت أقرب.
نظر الأقزام إلى بعضهم البعض بتوتر، لكن لم يتحرك أي منهم.
“أنا آسف، أتمنى لو كان بإمكاني البقاء، ولكن هناك العديد من الأشخاص الآخرين الذين أحتاج حقًا إلى التحدث إليهم، ولست متأكدًا من المدة التي سأبقى فيها في فيلدوريال،” أنهى حديثه. “سنمنحكما بعض الوقت… فقط لتكونا في صحبة بعضكما البعض.”
كانت فكرة جرّي إلى مدينة أخرى من مدن الآسوران تجعل أحشائي تتقلص مثل قبضة يد ملطخة بالدماء. لقد اشتقت إلى عائلتي. لقد اشتقت إلى منزلي. كنت مستعدة للعودة إلى ديكاثين. أعلم أن إلينور قد رحلت – لقد رحلت أمي وأبي – لكنني أردت رؤية جدي. أردت أن أكون مع الإلف، وأن أعانقهم وأبكي معهم، وأن أحزن على خسائرنا المشتركة بطريقة لم أتمكن من القيام بها بعد. ليس بينما كنت محبوسة تحت إرادة سيسيليا.
هدأ نحيبي، ومسحت عيناي وبدأت أفكك نفسي من بين ذراعي جدي. كان يمسك بي بحماية، لكنني ابتسمت له. “لا داعي لعناقي بهذه القوة، جدي. أعدك، لن أذهب إلى أي مكان. لكن… أحتاج إلى لحظة وحدي مع آرثر قبل أن يذهب. مجرد لحظة.”
“أنا آسف على خسارتكم،” قال آرثر، بصوت خافت بما يكفي لدرجة أن الأقزام من حوله اضطروا إلى بذل جهد للاستماع. “أنا آسف لكل من فقد أحباءه في هذه الحرب، سواء كان ذلك في المعركة الأخيرة أو الأولى منذ سنوات،” وتابع وهو ينظر حوله إلى الجميع. “أعلم أن كل أنواع الشائعات انتشرت في غياب المعلومات الواقعية خلال هذين الأسبوعين الماضيين. لا تقعوا فريسة لأولئك الذين يتغذون على مخاوفكم. أنا في طريقي الآن لشرح كل شيء لقادتكم. سيشاركون الحقيقة قريبًا بما فيه الكفاية.”
“لقد امتلكك هذا الفتى منذ أسبوعين بالفعل، أنا…” قال، ونظر في عيني ثم توقف. كان وجهه خليطًا غير مفهوم من المشاعر المتضاربة المصهورة في تعبير واحد، لكن الفرح والثقة كانا يلمعان أكثر من أي شيء آخر. بابتسامة متفهمة، ساعدني على الوقوف وتراجع بضع خطوات إلى الوراء.
دورتُ خصلة من شعري حول أطراف أصابعي بينما أفكر في التنانين التي تحدثنا معها. “أعتقد أنني كنت دائمًا مركز الاهتمام في إلينور، لكنهم يبدو أنهم مهتمون بحقيقة أنني إلف أكثر من كونني أميرة. الأشياء التي يسألون عنها…”
عانقتني سيلفي وإيلي وأليس بالتتابع وأكدن لي أنهن سيعدن لمساعدتي على الاستقرار. ثم أرسل آرثر الجميع إلى الأمام، موضحًا أنه سيلحق بهن، قبل أن يقودني للوقوف بجانب الحديقة الصغيرة المليئة بالشتلات.
“كفى من الغرباء!” صرخت المرأة الأولى. “دارف للأقزام! اشنقوهم جميعًا من-”
انحنيت ومررت أصابعي عبر التربة. كانت أغنى تربة رأيتها على الإطلاق، مليئة بمانا سمات الأرض. “هناك أثر من أفيتوس في هذا.”
“بالطبع.” تظاهر الأزوراس بموقف الخنوع، لكنني استطعت أن أرى انزعاجه يغلي تحت جلده. “سأعود في غضون يومين لفتح الطريق للعودة إلى أفيتوس.”
“هناك. كانت هدية. من… ألدير. رمز، شيء يساعد في التعويض عما فعله،” أوضح آرثر. “ليس أن أي شيء يمكن أن يعوض ذلك.”
دورتُ خصلة من شعري حول أطراف أصابعي بينما أفكر في التنانين التي تحدثنا معها. “أعتقد أنني كنت دائمًا مركز الاهتمام في إلينور، لكنهم يبدو أنهم مهتمون بحقيقة أنني إلف أكثر من كونني أميرة. الأشياء التي يسألون عنها…”
لقد سمعت بالفعل حقيقة ما حدث لألدير، الأزوراس الذي أحرق منزلي. لم تجلب لي هذه المعلومات أي سلام، لكنني لم أستطع منع شرارة الحنين إلى الوطن و… الأمل… الذي جلبته لي أشجار إلشاير.
“أنت… من الأفضل أن تجلسي،” قال آرثر وهو يفرك مؤخرة عنقه بتلك الطريقة المضحكة التي كان يفعلها منذ أن كان طفلًا.
“ماذا أردت أن تقولي؟” سأل آرثر، وهو ينحني بجانبي ويتظاهر بفحص أوراق شجرة. في الحقيقة، كان كل انتباهه عليّ. كان مشدودًا مثل وتر القوس المشدود.
“لقد سُميت رسميًا كأزوراس،” قال آرثر. كان يتحدث في الغالب إلى والدته، لكن مرتين تحركت عيناه نحوي بسرعة كبيرة لدرجة أنني بالكاد لاحظت. “أنا الأول من عرق جديد. أركون.”
“لا أريد أن أقول الشيء الخطأ أو أطيل الحديث عنه، لذا سأحاول أن أكون صريحة،” قلتُ، والكلمات تتدفق مني. “لقد تغير الكثير، آرثر. كثير جدًا. كل شيء.” فتح فمه ليتحدث، لكنني واصلت الحديث، خيفة من أنني إذا لم أفعل، سأفقد شجاعتي. “لقد قلنا ذلك من قبل: الوعد الذي قطعناه – اللحظة والكلمات التي شاركناها – كان كل شيء جميلًا للغاية. وكان حقيقيًا. و… كان مهمًا. كانت هناك مرات عديدة أردت فيها الاستسلام، والسماح لنفسي بالتلاشي أو التضحية بنفسي لتدمير سيسيليا. في النهاية، كان هذا الوعد بيننا هو الذي أعطاني القوة للبقاء على قيد الحياة عندما كان الموت أسهل كثيرًا. لكن الحقيقة هي أنني لم أعد الشخص الذي وعدته بعد الآن. و… و…”
خارج الغرفة، واصل آرثر الحديث، رغم أنني أقسم أنني شعرت بنظراته تتوقف على الستارة التي تفصل بيننا. “لقد ‘دُعينا’ – أعتقد أنه توقع أكثر منه دعوة، بصراحة – لزيارة بعض اللوردات الآخرين في منازلهم.”
“ولستُ الشخص الذي كنتِ تعتقدين أنني هو عندما قطعنا ذلك الوعد،” قال آرثر ببساطة. كان هادئًا. جادًا. متفهمًا.
بدأت أشعر بنفسي أتحطم، فركضت لمقابلته. اصطدمنا، وألقى جدي ذراعيه حولي. انهرت بينهما، واندلع نحيب يائس من جسدي. كل التوتر والقلق والارتباك والرعب الوجودي الذي شعرت به خلال الأسبوعين الماضيين انفجر مني كما لو كنت قد ألقيت تعويذة من عنصر الماء من عيني.
هززتُ رأسي، وسقط شعري أمام عيني. “أنا أعرف من أنت، آرثر. أعرف ذلك حقًا. ولهذا السبب أعفيك من الوعد الذي قطعناه. شكرًا لك على الوفاء به. سأعتز بهذه اللحظة إلى الأبد، لكنني لن أتشبث بها على حساب مستقبل العالم.”
كان آرثر يتحدث. قال شيئًا عن أغرونا والأزوراس. يشرح أين كنا خلال الأسبوعين الماضيين ولماذا لم يعيدني إلى المنزل في وقت أقرب.
وقفت، وأعدت شعري إلى الوراء. رفع آرثر يده فورًا ليمسح دموعي، لكن لم تكن هناك دموع. تردد. أمسكت بيده بكلتا يديّ ووضعتها بيننا بينما انحنيت للأمام وضغطت شفتي على شفتيه. قلبي انكسر من نعومة شفتيه والإيقاع غير المستقر لنبضه، لكن قراري لم يتزعزع. يريد القلب ما يريده القلب، لكن روحي كانت مرتاحة بقراري.
“اللورد ليوين،” قال آرثر، قاطعًا ويندسوم.
بعد أن ابتعدت، سمحت لنفسي بالغرق في التوأم الذهبي لعينيه. إنها حقًا أجمل عينين رأيتهما على الإطلاق. “كن حذرًا، آرثر” سمعت نفسي أقول، بالكاد واعية للكلمات. “لا تفقد نفسك في كل هذا.”
“أردت.. أن أخبرك،” بدأتُ، فجأة محرجة. كنت أعرف ما أريد قوله، لكن الكلمات نفسها بدت من الصعب التمسك بها. “حظًا سعيدًا. كما تعلمين، عندما تذهبين لزيارة الأزرواس الأخرين. هل ستحميه؟ لا يهم، أعلم أنك ستفعلي. أنا آسفة إذ سأفتقده، لكن… أحتاج إلى العودة إلى المنزل.”
تركتُ يده تنزلق من بين يديّ، واستدرت مبتعدة، مدركة أنه بحاجة لذلك. استطعت أن أشعر بحدة نظراته على ظهري مثل أشعة الشمس، وتحملت ذلك.
أعطيتها ابتسامة محرجة. خلال الأسبوعين الماضيين، بدأت إيلي تنبهني كلما ظهرت على وجهي ‘نظرة القلق’. “أنا آسفة، فقط…”
ترجمة الخال
كانت فكرة جرّي إلى مدينة أخرى من مدن الآسوران تجعل أحشائي تتقلص مثل قبضة يد ملطخة بالدماء. لقد اشتقت إلى عائلتي. لقد اشتقت إلى منزلي. كنت مستعدة للعودة إلى ديكاثين. أعلم أن إلينور قد رحلت – لقد رحلت أمي وأبي – لكنني أردت رؤية جدي. أردت أن أكون مع الإلف، وأن أعانقهم وأبكي معهم، وأن أحزن على خسائرنا المشتركة بطريقة لم أتمكن من القيام بها بعد. ليس بينما كنت محبوسة تحت إرادة سيسيليا.
من يريد دعمي يمكنه قراءة رواياتي الأخرى:
من يريد دعمي يمكنه قراءة رواياتي الأخرى:
«عرش الحالم»، رواية شبيهة بأجواء لورد الغوامض، تتكلم عن رجل يجد نفسه في جسدِ شاب لا يمكنه الحراك(مقعد)، ويده اليسري مقطوعة، وهو بلا حولٍ ولا قوة أمام الوحوش المرعبة من عالم الأحلام والكوابيس، والعصابات التي لا تلقي بالًا لحياة من هم أدنى منهم.
جثم جدي على ركبتيه، ممسكًا بي كما كان يفعل عندما كنت طفلة. أصدر أصواتًا مهدئة ومسح على شعري. لم يكن لدي أي طاقة لأشعر بالخجل أو بالذنب لهذا العرض أمام آرثر وعائلته.
«جمرات البحر العميق»، وهي رواية شبيهة بأجواء لورد أيضًا، وتتكلم عن معلم يخرج من غرفة عزوبيته، فبدلًا من أن يخرجه الباب إلى الخارج، ينقله لعالم وحشي، تحكمه الوحوش والشذوذات، إذ يجد نفسه في جسد قبطان مغوار، لُقب ب”كابوس البحر المتجول”، وواحد من أقوى البشر وغير البشر في هذا العالم المغمور بالماء والغوامض والأسرار.
“ك-كيف عرفت؟” قلتُ وأنا أحاول التنفس وسط النحيب، متوسلة إليه أن يفهم.
«حكايات عائد لانهائي» وهي رواية فريدة من نوعها للغاية، لم أرى مثيل لها من قبل، يتحدث بها “حانوتي”، وهو من يكتب حكاياته، ويسردها، عن ماضيه كعائد بالزمن في دوراته ال ١١٨٣ من الفشل والنجاح، من الهزيمة والنصر. عالم لا يكره سوى البشر، وشذوذات وُجدت لتصعيب الحياة على الإنسان. إنها ليست حكاية نجاح، بل حكاية فشل.
بعد أن ابتعدت، سمحت لنفسي بالغرق في التوأم الذهبي لعينيه. إنها حقًا أجمل عينين رأيتهما على الإطلاق. “كن حذرًا، آرثر” سمعت نفسي أقول، بالكاد واعية للكلمات. “لا تفقد نفسك في كل هذا.”
“لقد امتلكك هذا الفتى منذ أسبوعين بالفعل، أنا…” قال، ونظر في عيني ثم توقف. كان وجهه خليطًا غير مفهوم من المشاعر المتضاربة المصهورة في تعبير واحد، لكن الفرح والثقة كانا يلمعان أكثر من أي شيء آخر. بابتسامة متفهمة، ساعدني على الوقوف وتراجع بضع خطوات إلى الوراء.
“ماذا يحدث الآن؟” سألتُ لكسر الصمت. “ما الذي سيتغير بالضبط، وكيف سيؤثر هذا على ديكاثين وألاكريا؟”
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
